الثلاثاء، 22 مارس 2011

أنا والسوريالية

شغلت السريالية منذ زمن بعيد كمدرسة وفن الكثير من الدارسين، للتوقف عند رموزها ومنجزاتهم منذ البدايات الأولى التي تلت بيانها الأول، وكان الفنان الاسباني سلفادور دالي واحدا من رموز تلك الحركة الفنية والأدبية، التي أخذت على عاتقها الدخول إلى الحلم والغرائبية نسقا واتجاها فنيا يلزم أصحابها التوظيف الفني لتعزيز خطابها النظري ويقدم هذا الكتاب عبر ترجمة وتقديم بارزين الفنان (دالي) سيرته مع السريالية مبتدأ هذا الكتاب بتقديم اندريه بارنيود الذي يقول عن كتابه وشخصه مبتدئاً بأنهما يرسخان حضور جبال المتناقضات معا، يريد بهذا الوصف تمييز الأشياء المحيطة بسلفادور بأوراق عشب أحبها ونساء يرسمهن وفقا لخياله وبحياة سرية لم تجلب الحقيقة إلا بإعطاء إجاباته عن الطفولة والفن والعبقرية.
 لقد رأينا في الكتاب الذي يقع في تسعة عشر فصلا الفنان يركز على ثنائية الحياة مع الموت وهو تذكير بسلوكيته تجاه أبيه الذي أحب أخاه قبل موته ولدرجة وعمق تلك المحبة اسماه على نفس الاسم ومن هنا تبدو مكابرة دالي على تأسيس خطاب المغايرة والرفض لطبيعة الأب الذي يرى في شخصيته صورة شخصية  أخرى أحبها ذات يوم ثم ارتحلت بعيدا عن ناظريه.
ويبدو من كتابة هذه السيرة أن دالي لم يخش الموت وكان أكثر جدية مع التلاعب وفقا لنمط سلوكه وتحركاته الطفولية مع أشياء مخيفة .في الفصل الثاني يكتب الفنان التشكيلي عن ذكرياته مع أبيه ويصفه بأنه عملاق في قوته وعنفه وسلطته وحبه القاهر ثم يركز على طبيعة غرائبية نشأته مع التربية الأسرية  والصورة القسرية  التي يعتقدها أتت عن طريق التشابه وتطابق الاسم الأول لأخيه الراحل.ومن هنا نقرأ الأسباب التي يقف على كنهها واستبطانها في استحضار خياله عن الرب واستعداده لتحمل الألم والعذاب.  (سلفادور) في وصف ذاته وطبيعة علاقته مع الأب نراها مختلفة عن حبه لامه، فهناك تلازم في الإحساس تجاهها، الفصل الثالث حمل تساؤلا مفاده كيف ترقى النزوة حتى تشكل نظاما ؟ يرى مقدم كتاب أنا والسوريالية بان دالي قد اكتشف ممرات للوحي والابتهاج وان الق السعادة لا يتبدى إلا للعيون الصافية. في هذا الفصل هناك عدة مواضيع تجانست في سياقها الوصفي المقدم لنا عن ذكريات دالي منها على سبيل المثال ما كان يحلم به أثناء اليقظة وللهذيان أمثلة قليلة في الحياة وما حدود قوة المثالي والحقيقي، هذا الفصل يكشف عن تلك العبقرية التي لازمته منذ الصبا وتحولاته نحو الفن.أما الفصل الربع فهو مكمل لما سبق إذ يتحدث عن اكتشاف العبقرية لديه...لقد صنع حسنا عندما وضع مقدم الكتاب عناوين فرعية لكل مادة متعلقة بجزء من تلك الذكريات، فمع مسيرة السوريالية نقف عند إيلوار وبريتون والحركة ونظرة دالي للعالم وعلاقته ب(جالا)، فمن الغريب وصفه لها بأنها المرآة المسحورة وبعد تعميق عاطفي تجاهها يدلنا على تشكيل النسيج الكامل لحياته، فهي مهد لمتعته الباطنية والفنية حتى ان هذا التحول العاطفي نقله باعترافه إلى سطح اللوحة لقد صرح وبشكل مباشر بأنها حافز أساسي في حياته، لقد لامس  الشعور الخفي والمعلن حياته بالاعتراف بان عطاياها في الحب كانت مهمة والحديث معها كان ضروريا لروحه الفنانة. يلازم هذا الكتاب الصادر أخيرا في دبي توقفات مهمة اعتلاها فنانا حتى لحظة حلمه في السفر إلى أمريكا، إذ يعدها المحطة المصحوبة بحلم لم يتوقف الكتاب الذي ضم فصولا متنوعة بقيت مادته تدفع بالمعلومات بشكل تراتبي يسعفنا بالمعلومة المغيبة عنا، فهناك الرسائل الشخصية وهناك القصائد المكتوبة بلغة العاطفة حيال امرأة أحبها وشغف بها هناك دلالة المكان وثنائية (الأب / إلام) وتركاتهم الجوانية حيال فنان أبدع وقدم فصلا مهما من الفن تنظيرا وتطبيقا.ففي تلك الفصول المستوحاة من حياته يشير فيها إلى الفن نتواصل مع رحلته بشرحه التلقائي للمعرفة حسب رؤيته، وهناك شروح عن تقديم بعض أعماله إلى اندريه بريتون وتتلخص واحد من رؤاه الفنية بعبارته المشهورة التي يذكرها هنا بان أعمال السريالية تقع في المنطقة الوسطى بين العلم والفن على ضفاف نهر اللامعقول ونحن فيها امهر الملاحين.
اعتقد أن هذا الكتاب بقدر ما يعطينا زخما بمعرفة حياة سلفادور فانه يوضح عبر سيرته الشخصية، الكثير من الخفايا التي غابت عن أذهاننا عن تجربة فنية عميقة ورصينة ومؤثرة .عن بدايات نجهلها ومشاعر لم نتفهمها إلا بعد توضيح مغزاها العاطفي والحسي.
خضير الزيدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق